Nombre total de pages vues

مرحبا بكم في مدونتي أتمنى لكم الاستفادة أخوكم الناصر عزيز

أخوكم الناصر عزيز الإمام الخطيب بجامع عمر بن الخطاب بالساحلين أرحب بكم متمنيا لكم الاستفادة وملتمسا منكم التعليق حتى أستنير بملاحظاتكم
كما أرجوكم الانخراط في هذا الموقع في خانة
s'inscrire
ووضع عنوانكم الالكتروني لمدكم بكل جديد بالموقع
كما بامكان السادةوالسيدات المقيمين خارج الوطن الذين يزورون هذه المدونة باستمرار متابعة الدروس والتسجيل لاجراء اختبار كتابي في نهاية هذه الدورة

samedi 30 avril 2011

حوار شيق بين صاحبين حول قيمتين متناقضتين:نفس معتزة بزينة الحياة وأخرى معتزة بالله


تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلاً للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله. وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتطغيه النعمة، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة. ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه. وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلاً على المنعم. موجبة لحمده وذكره، لا لجحود وكفره.
وتبدأ القصة بمشهد الجنتين في ازدهار وفخامة:{ واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل، وجعلنا بينهما زرعاً.
كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وفجرنا خلالهما نهراً. وكان له ثمر }..فهما جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر بينهما نهر.. إنه المنظر البهيج والحيوية الدافقة والمتاع والمال:{ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً }.. ويختار التعبير كلمة { تظلم } في معنى تنقص وتمنع، لتقابل بين الجنتين وصاحبهما الذي ظلم نفسه فبطر ولم يشكر، وازدهى وتكبر.
وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما، ويعجبه النظر إليهما، فيحس بالزهو، وينتفخ كالديك، ويختال كالطاووس، ويتعالى على صاحبه الفقير: { فقال لصاحبه - وهو يحاوره - أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً }..ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه الاعجاب، وملء جنبه الغرور؛ وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه؛ وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبداً، أنكر قيام الساعة أصلاً، ولو قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه في اهتمام ورعاية في الآخرة!
{ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه. قال: ما أظن أن تبيد هـذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة. ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً }!إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا سادة وكبراء  على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ممتاز
فأما صاحبه الذي لا مال له ولا نفر، ولا جنة عنده ولا ثمر.. فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى. معتز بعقيدته وإيمانه. معتز بالله الذي تخر له الجباه؛ فهو يجيب صاحبه  المغرور منكراً عليه غروره وكبرياءه، يذكره بمنشئه المهين الحقير من ماء وطين، ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق الله المنعم. وينذره عاقبة الغرور والكبرياء. ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار:
{ قال له صاحبه ـ وهو يحاوره ـ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً؟ لكنا هو الله ربي، ولا أشرك بربي أحداً. ولولا إذ دخلت جنتك قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً. فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك، ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً، أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً }..وهكذا تبرز
قيمة و  عزة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والناس، ولا تنافق  الغنى والكبرياء، وتنطق بالحق، ولا تجامل فيه الأصحاب. وهكذا يشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال. وأن ما عند الله خير من متاع الحياة الدنيا، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله.وأن نقمة الله جبارة وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتكبرين.
وفجأة تنقلنا الآيات  من مشهد الثمار  والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار. ومن هيئة التكبر  إلى هيئة الندم والاستغفار. فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن:
{ وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها، ويقول: يا ليتني لم أشرك بربي أحداً }..
وهو مشهد مخيف : الثمر كله مدمر كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء. والجنة خاوية على عروشها مهشمة محطمة. وصاحبها يقلب كفيه أسفاً وحزناً على ماله الضائع وجهده الذاهب. وهو نادم على إشراكه بالله، يعترف الآن بربوبيته ووحدانيته. ومع أنه لم يصرح بكلمة الشرك، إلا أن اعتزازه بقيمة أخرى أرضيه غير قيمة الإيمان كان شركاً ينكره الآن، ويندم عليه ويستعيذ منه بعد فوات الأوان.
هنا يتفرد الله بالولاية والقدرة: فلا قوة إلا قوته، ولا نصر إلا نصره. وثوابه هو خير الثواب، وما يبقى عنده للمرء من خير فهو خير ما يتبقى:
{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله، وما كان منتصراً. هنالك الولاية لله الحق، هو خير ثواباً وخير عقباً }..وتنتهي القصة بمشهد الجنة الخاوية على عروشها، و صاحبها يقلب كفيه أسفاً وندماً وجلال الله وعظمته تحيط  بالموقف، حيث تختفي وتزول قدرة الإنسان..
وأمام هذا المشهد يضرب مثلاً للحياة الدنيا كلها. فإذا هي كتلك الجنة المضروبة مثلاً قصيرة قصيرة، لا بقاء لها ولا قرار:
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدراً }..هذا المشهد يعرض قصيراً خاطفاً ليلقي في النفس  الفناء والزوال. فالماء ينزل من السماء فلا يجري ولا يسيل ولكن يختلط به نبات الأرض. والنبات لا ينمو ولا ينضج، ولكنه يصبح هشيماً تذروه الرياح. وما بين ثلاث جمل قصار، ينتهي شريط الحياة.
ولقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشاهد. بالتعقيب الذي تدل عليه الفاء:
{ كماء أنزلناه من السماء } فـ { اختلط به نبات الأرض } فـ { أصبح هشيماً تذروه الرياح } فما أقصرها حياة! وما أهونها حياة!
وبعد أن يلقي مشهد الحياة الذاهبة ظله في النفس يقرر السياق بميزان العقيدة قيم الحياة التي يتعبدها الناس في الأرض، والقيم الباقية التي تستحق الاهتمام:
{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً، وخير أملاً }..المال والبنون زينة الحياة؛ والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات. ولكنه يعطيهما القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد.
إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة.
فما يجوز أن يوزن بهما الناس ولا أن يقدروا على اساسهما في الحياة. إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات.
وإذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالأموال والبنين فإن الباقيات الصالحات خير ثواباً وخير أملا. عند ما تتعلق بها القلوب، ، ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الجزاء.
وهكذا يتناسق التوجيه الإلهي للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم في الغداة والعشي يريدون وجهه. مع إيحاء قصة الجنتين

أحب الأعمال إلى الله مساعدة الغير لوجه الله

فلنعلم أوّلا أنّ أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأنّ  قضاء الحوائج واصطناع المعروف باب واسع يشمل كل الأمور المعنوية والحسية التي ندب الإسلام عليها وحثَّ المؤمنين على البذل والتضحية فيها لما فيه من تقويةٍ لروابط الأخوة وتنمية للعلاقات البشرية ،  قال صلى الله عليه وسلم :" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام .. " صححه الألباني   لقد أشار الحديث  إلى منزلة عظيمة جدا، ودرجة عالية رفيعة، ذلك أن محبة الله للعبد شيء عظيم، فإن الله إذا أحب عبدا أحبه أهل السماء والأرض، وإن الله إذا أحب عبدا لا يعذبه، كما في الحديث عن النبي : (إن الله تعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل فقال: يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض-" وفي صحيح مسلم  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  من نفَّس عن مؤمن كربة نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه .."ومن المعلوم أن كرب الدنيا كلها بالنسبة لكرب الآخرة لا شيء، فإن كرب الآخرة شيء عظيم،فعليك أيها المسلم القادر أن تسعى لإزالة ما يحل بالمسلمين من النائبات والمصائب والكرب، فمن ابتلي بمسغبة بذلت له من مالك، أو حثثت الأغنياء على التصدق عليه ومعونته، ومن حاق به ظلم ظالم رددت عنه الظلم ما وجدت إلى ذلك سبيلا،ومن كان عاطلا عن العمل حرصت على تشغيله ومن كان مهموما فرّجت همّه بإدخال السّرور على قلبه فقد قال صلى الله عليه وسلم(أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت له حاجه) وبالجملة فأنت أيها المسلم مكلف شرعا أن تسعى جاهدا لإزالة النائبات أو تخفيفها عن إخوانك المسلمين، والله سبحانه يعدك على ذلك أن يدفع عنك كرب يوم الدين.
واعلم أخي المؤمن أنّ الله قد يبتليك بمن يسألك خدمة أو حاجة أو لقمة ليختبر مدى كرمك وعطائك فأنت عندما تعطي فعطاؤك لله وعندما تطعم فكأنّك تطعم الله وهكذا..... ففي الحديث أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم  قال: (يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني! فيقول: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟! فيقول عز وجل: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟" ولكن من النّاس من لا يملك القدرة على العطاء لقلّة ذات اليد، ولكنّه يملك القدرة على الوساطة والدّلالة على الخير وهذا ما يسمّى بالشّفاعة قال تعالى {
مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }قال صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب " أصل الشفاعة والشّفْعة ونحوها من الشَّفْع وهو الزوج في العدد؛ ومنه الشَّفيع؛ لأنه يصير مع صاحب الحاجة شَفْعا.
الرازي: المسألة الأولى: اعلم أن في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوها: الأول: أن الله تعالى أمر الرسول عليه السلام بأن يحرض الأمة على الجهاد، والجهاد من الأعمال الحسنة والطاعات الشريفة، فكان تحريض النبي عليه الصلاة والسلام للأمة على الجهاد تحريضا منه لهم على الفعل الحسن والطاعة الحسنة، فبين تعالى في هذه الآية أن من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها، والغرض منه بيان أنه عليه الصلاة والسلام لما حرضهم على الجهاد فقد استحق بذلك التحريض أجرا عظيما.
البيضاوي :واختلف المتأوّلون في هذه الآية؛ فقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم؛ فمن يشفع لينفع فله نصيب، ومن يشفع ليضر فله كِفْل. وقيل: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة، والسيئة في المعاصي. فمن شَفَع شفاعة حسنة ليصلح بين ٱثنين ٱستوجب الأجر، ومن سعى بالنميمة والغِيبة أثم، وهذا قريب من الأوّل. وقيل: يعني بالشفاعة الحسنة الدعاءَ للمسلمين، والسيئةِ الدعاءَ عليهم. وفي صحيح الخبر: " من دعا بظهر الغيب استجيب له وقال الملك آمين ولك بمثل " هذا هو النصيب، وكذلك في الشر؛ بل يرجع شؤم دعائه عليه
الزمخشري : الشفاعة الحسنة: هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير. وابتغي بها وجه الله ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز لا في حدّ من حدود الله ولا في حق من الحقوق. والسيئة: ما كان بخلاف ذلك. وعن مسروق أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع جارية، فغضب وردها وقال: لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، ولا أتكلم فيما بقي منها وقيل: الشفاعة الحسنة: هي الدعوة للمسلم، لأنها في معنى الشفاعة إلى الله. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:

 من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له [و] قال له الملك: ولك مثل ذلك، فذلك النصيب " ، قال ابن عباس: "إن لله عباداً يستريح الناس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم أولئك هم الآمنون من عذاب يوم القيامة "والدّالّ على الخير كفاعله سواء بسواء إذ لولاه لما تمّ الخير".اللهمّ اجعلنا ممّن سخّرتهم في خدمة عبادك وآمنّا من عذاب يوم القيامة وأدخلنا الجنّة مع الأبرار .آمين آمين والحمد لله ربّ العالمين .

مقارنة لطيفة بين الصدق والكذب

الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها، ويظهر ذلك من وجوه :

أحدها : أن الإنسان هو حي ناطق، فالوصف المقوم له الفاصل له عن غيره من الدواب هو المنطق، والمنطق قسمان : خبر وإنشاء والخبر صحته بالصدق وفساده بالكذب، فالكاذب أسوأ حالا من البهيمة العجماء، والكلام الخبري هو المميز للإنسان، وهو أصل الكلام الإنشائي، فإنه مظهر العلم، والإنشاء مظهر العمل، والعلم متقدم على العمل وموجب له، فالكاذب لم يكفه أنه سلب حقيقة الإنسان حتى قلبها إلى ضدها، ولهذا قيل: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا إخاء لملوك، ولا سؤدد لبخيل، فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان.

الثاني : أن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب؛ فإن محمدا رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب قال الله تعالى : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ . وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.

الثالث : أن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه: الكذب، وعلى كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاث من كن فيه كان منافقا: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ».

الرابع : أن الصدق هو أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ».

الخامس : أن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين كما قال تعالى : {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}{ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}.

السادس : أن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والمبلسين هو الصدق والكذب .

السابع : أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب . . . وكلام العلماء والمشايخ قال الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين» وقرأ هذه الآية وقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وكان متكئا فجلس فقال: «ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».

الثامن : أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التي هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور، والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه، وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام ؛ بل هي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله وبين خلقه، وركن الفتيا التي هي افلام عالم حواءانجليزى إخبار المفتي بحكم الله . وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد من المتعاملين للآخر بما في سلعته، وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما، والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .

التاسع : أن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق كما جاء في الأثر: أساس النفاق الذي بني عليه الكذب . وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان } وفي حديث آخر : «على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب» ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة، ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .

العاشر : أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله هو الصدق والإخلاص كما جمع الله بينهما في قوله : {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك في مواضع كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وقوله تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر : {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} إلى قوله : {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا
} .

معنى الاسلام

    ‎

‎ 1- التعريف بالإسلام

الإسلام : ‏

‎‎ الإسلام يعني الاستسلام لله بالتوحيد، والخضوع والانقياد له سبحانه بالطاعة، والخلوص له من الشرك، وذلك بفعل ما يأمر به، وترك ما ينهى عنه. والإسلام بهذا المعنى هو دين الله الذي لا يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه، قال عز وجل: {إن الدين عند الله الإسلام } ‏

[آل عمران: 91]. ‏

‎‎ والشرائع السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسله وأنبيائه شرائع متعددة، تتفق جميعها في الدعوة إلى التوحيد، وإقامة مصالح العباد، والمناداة بمكارم الأخلاق، وتختلف فيما بينها في بعض الأحكام، كما تختلف في سعة بعضها واقتصار بعضها على بعض متطلبات الحياة بحسب حاجة الناس. قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } سورة [المائدة: 48]. ‏

‎‎ وتتفق الشرائع السماوية فيما بينها على أمور كثيرة، منها: ‏

1. المصدر: ‏

‎‎ فهي منزلة من عند الله الواحد الأحد، قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } [النساء: 163]. ‏

2. المقاصد: ‏

‎‎ فمن مقاصد الشرائع السماوية: ‏

‎‎ تعبيد الناس لربهم: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون } [الأنبياء: 25]. ‏

‎‎ وقال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } [النحل: 36]. ‏

‎‎ وتعبيدهم بما يشرع من تكاليف وأحكام، فيلتزمون بها عن رضا وطواعية. قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [النور: 51] .‏

3. القواعد العامة: ‏

‎‎ وهى مما تتفق فيه الشرائع السماوية أيضا، كقاعدة الثواب والعقاب، وهي أن الإنسان يحاسب بعمله، فيعاقب بذنوبه وأوزاره، ولايؤاخذ بجريرة غيره. ويثاب بسعيه، وليس له سعي غيره، قال تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألاّ تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى * وأن سعيه سوف يُرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى } [النجم:36-41]. ‏

‎‎ وهكذا فالشرائع السماوية السابقة كلها إسلام لله عز وجل، وتعبّد له بما شرع سبحانه على ألسنة رسله، عليهم الصلاة والسلام. ‏

‎‎ فهذا نوح عليه السلام يقول: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين } [النمل: 91]. ‏

‎‎ وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قالا: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [البقرة: 128]. ‏

‎‎ وهي وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام، قال تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [البقرة: 132]. ‏

‎‎ ويوسف عليه السلام دعا ربه فقال: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين } [يوسف: 101]. ‏

‎‎ وموسى عليه السلام قال: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } [يونس: 84]. ‏

‎‎ وشواهد ذلك في القرآن الكريم كثيرة معلومة. ‏

الإسلام بمعناه الخاص: ‏

‎‎ إن المصلحة تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، وهو تعالى حكيم يشرع لعباده في كل عصر ما يعلم في سابق علمه أن به مصلحتهم في ذلك الوقت، وإنما كانت الناسخة على الأغلب خيراً من المنسوخة، لأن الانتقال من خير إلى خير منه آية الترقي إلى ما هو أرقى وأكمل، كما هي سنة الله في خلقه، يأخذهم بالتدرج والارتقاء. ‏

‎‎ ولما كانت الشريعة الإسلامية لا مجال لنسخها لكونها خاتمة الشرائع، جاءت سمحة شاملة مطردة واسعة، تسع الضعيف أخذاً بالرخص، والقوي تحملاً بالعزائم، وهذا من واسع رحمة الرحمن بعباده. ‏

‎‎ قال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } [الجاثية: 18]. ‏

‎‎ وصار دين الإسلام الذى بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأوحى إليه بأصوله وشرائعه، وكلفه بتبليغه للناس كافة، ودعوتهم إليه.. صار هو دين الله الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، فهو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه. وبذلك نسخ الإسلام جميع الأديان السابقة، فصار من اتبعه مسلماً ومن خالفه ليس بمسلم. ‏

‎‎ وبوابة الدخول إليه أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وتعمل بأركان هذه الشهادة وشروطها، وتتجنب نواقضها. ‏

‎‎ قال عز وجل: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [آل عمران: 85]. ‏

‎‎ وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده لايسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم. ‏

‎‎ وعلى هذا فاليهود والنصارى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا لم يدخلوا في دينه ويؤمنوا برسالته لا ينفعهم إيمانهم برسلهم، لأن دين الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ لما قبله من الأديان. ‏

الخليفة عمر بن عبد العزيز أو الفهم والتطبيق المشرق للاسلام داخل المجتمع ونتائجه الباهرة في نشر العدل والقضاء على الفقر

 حول سيرة عمر بن عبد العزيز الملك العادل
المقدمة
حياة الانسان لا تقاس بالسنوات بل بالأعمال الصالحة التي أفاد بها بلاده والانسانية  فكم من شخص تجاوز المائة ولم يولد بعد وكم من شخص آخر فارق الحياة منذ مئات السنين وما زال حيا بيننا واليوم أردت أن أعرض عليكم سيرة رجل لا ينتمي لعصر الوحي فحسب ، بل إنه الرجل الذي حاول نقل عصر الوحي بمُثُلِه وفضائله إلى دنيا مائجة هائجة ، مفتونة مضطربة، يسودها  الظلم والقهر، ، ثم نجح في محاولته نجاحاً يبهر الألباب ، فهل تدهش وتذهل لأنه بمفرده حاول تحقيق هذا المستحيل ؟!.. أم تدهش وتذهل لأنه بمفرده قد حقق هذا المستحيل فعلاً.. ليس في عشرين سنة ، ولا في عشرة أعوام ، بل في عامين وخمسة شهور وبضعة أيام.
إنه الملك  العادل عمر بن عبد العزيز الذي ضرب أروع مثال لكل من أراد أن يكتب اسمه في سجل التاريخ بماء الذهب ويبقى حيا بين الناس
هو ابن والي مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم وأمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
فقالت الأم: يا بنتاه، قومى إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر.
فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا.

فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لورعها ومراقبتها لله رب العالمين. فبعث إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة تزوجها عبد العزيزبن مروان بن الحكم فأنجبت عمر بن عبد العزيز سنة63هجري بمصر حفظ القرآن الكريم صغيرا ثم أرسله أبوه إلى المدينة المنورة ليتعلم ويتفقه في الدين بين يدي الشيخ الجليل والعالم الزاهد صالح بن كيسان رحمه الله
توفي أبوه فعاش يتيما وكفله عمه سليمان بن عبد الملك الذي كان أميرا للمؤمنين بداية من سنة715ميلادي كان سليمان بن عبد الملك من أمثل الخلفاء، نشر عَلَم الجهاد، وجهّز مائة ألف برّاً وبحراً، فنازلوا القسطنطينية، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة .
سابعاً:صفحات من حياته في عهد سليمان بن عبد الملك:
قال سليمان لعمر بعد أن ولي:" يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم ، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به". فكان من ذلك عزل الحجاج، شوكة الدولة الأموية ؟؟ العدل شوكتها
 فقيل إن سليمان حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غداًخصماؤك..
أعجب سليمان الملك بأخلاق عمر وشدة تقواه فزوجه ابنته فاطمة وكان شديد التفكير فيمن سيخلفه فأبناؤه مازالوا صغارا وكان يخاف على الدولة من اخوته الذين نهبوا واستغلوا واعتدوا على الممتلكات فأوصى بالخلافة لعمر بن عبد العزيز الذي أصبح أميرا للمؤمنين  سنة 717ميلادي وعمره 35سنة على  دولة ممتدة الأطراف من شمال افريقيا غربا   إلى مصرفالشام  والجزيرة العربية واليمن وعمان إلى أنطاكيا وشيراز وكرمان ونيسابوروتبريز شرقا الى حدود الدولة البيزنطية
وجد عمر فسادا على جميع المستويات سياسيا أصبحت خلافة المسلمين ملكا يتوارث بين بني أمية وانقطعت الشورى لاختيار القائد واستعمل بنو أمية المكر والدهاء والقتل للحفاظ على سلطانهم والحجاج أكبر مثال في البطش والجبروت في العراق ومحمد بن يوسف باليمن
 ماليا أمراء بني أمية يعيشون في بذخ كبير ويتمتعون بجرايات خيالية وينهبون ويغتصبون الأراضي وكل ما فيه منفعة لهم
دينيا نصب بنو أمية أئمة خطباء موالين لهم وأغدقوا عليهم بالعطايا حتى ختموا خطبهم بلعن سيدنا علي كرم الله وجهه ارضاء لبني أمية
ثقافيا قرب بنو أمية الشعراء والأدباء المادحين وأغدقوا عليهم بالعطايا
السؤال الآن ماذا سيفعل عمر وحيدا وهل يستطيع أن يغير شيئا؟
قلبه مفعم بالايمان والتقوى والشعور بالمسؤولية وعظم الأمانة
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( المائدة / 8).

   إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وقال سبحانه:  إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً
أعلم زوجته فاطمة أنه سيرجع كل العقارات التي أعطاها له ملوك بني أمية للدولة وطلب منها أن تفعل ذلك وخيرها بين أن تعيش معه حياة بسيطة أو تلتحق بأهلها
ثم قام في الناس خطيبا قائلا:
أول خطبة له رحمه الله :
أول خطبة له : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا ، يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ، ويعيننا على الخير بجهده ، ويدلنا على الخير ما نهتدي إليه ، ولا يغتابنّ عندنا أحداً ، ولا يعرضن فيما لا يعنيه . فانقشع عنه الشعراء … وثبت معه الفقهاء والزهاد
 ثم جمع أمراء بني أمية  وقادة الحرس والشرطة والجيش ليأأخذ ما بأيديهم، وسمى أموالهم مظالم ، وهي الأموال الهائلة.. والثروات العظيمة التي تملكها أسرته، وإخوته وحاشيته، وعزم على ردها إلى أصحابها إن عرف أصحابها، أو إلى الخزانة العامة، وأن ينفذ على الجميع قانون " من أين لك هذا لكنهم رفضوا الاستجابة وحاول أن يعظهم ويخوفهم الله، وبين لهم أن ليس لهم من الحق في أموال الخزانة العامة أكثر مما للأعرابي في صحرائه، والراعي في جبله .. وأن ما بأيديهم من أموال جمعوها من حرام ليس لهم إنما هو لله، وأرادهم على ردها فأبوا، ودعاهم مرة أخرى إلى وليمة واستعمل أسلوباً آخر من اللين فلم يستجيبوا ، فلما عجزت معهم أساليب اللين عمد إلى الشدة وأعلم أنه كل من كانت له مظلمة أو عدا عليه أحد من هؤلاء فليتقدم بدعواه ، وألف لذلك محكمة خاصة ، وبدأ يجردهم من هذه الثروات التي أخذوها بغير وجهها ويردها إلى أصحابها أو إلى الخزانة العامة .وخضعوا جميعاً وردوا ما كان في أيديهم من الأموال … واكتفوا بمرتباتهم الكثيرة التي كانوا يأخذونها من الخزانة ، ولكن عمر لم يكتف وأمر بقطع هذه الرواتب وإعطائهم عطاء أمثالهم ، وأمرهم بالعمل كما يعمل الناس ، ووسطوا له عمة له كان يوقرها بنوا أمية لسنها وشرفها ، فكلمته فقال : إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة ولم يبعثه عذاباً، ودعا بجمر ودينار ، فألقى الدينار في الجمر حتى إذا احمرّ أخذه بشيء وقرّبه إلى جلده ، وقال : يا عمة أما تشفقين على ابن أخيك أن يكوى بهذا يوم القيامة ؟ قالت : إذن لا تدعهم يسبونهم ، قال : ومن يسبهم؟! إنما يطالبونهم بحقوقهم ، فخرجت فقالت : هذا ذنبكم لماذا زوجتم أباه بنت عمر بن الخطاب ؟؟؟؟، قالوا : أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء
اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك : قل لأبيك إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا ، وإنّ أباك قد حرمنا ما في يديه. فدخل على أبيه فأخبره ، فقال لهم : إن أبي يقول لكم : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ().
وتجرأ عليه ابن للوليد فكتب إليه كتاباً شديد اللهجة أشبه بإعلان الثورة ، فغضب عمر لله وقبض عليه وحاكمه بمحاكمة كانت تؤدي به إلى سيف الجلاد لولا أن تاب وأناب .

وأمر رحمه الله بعزل الولاة الظلمة ، وعين ولاة اشتهروا بالعدل والتقوى وبدأ بالتغيير السريع الحاسم العميق الذي يجب أن يتم على مستوى الأمة في ذلك الوقت .
أمر رحمه الله ولاته أن يبدءوا بتغطية حاجات أقطارهم .. وما فاض وبقي يُرسل إلى الخزينة العامة .. ومن قصر دخل إقليمه عن تغطية حاجات أهله أمده الخليفة بما يغطي عجزه ، وراح رحمه الله ينشئ في طول البلاد وعرضها دور الضيافة يأوي إليها المسافرون وأبناء السبيل ، ومضى يرفع مستوى الأجور الضعيفة ، وكفل كل حاجات العلماء والفقهاء ليتفرغوا لعلمهم ورسالتهم دون أن ينتظروا من أيدي الناس أجراً .. وأمر لكل أعمى بقائد يقوده ويقضي له أموره على حساب الدولة ، ولكل مريض أو مريضين بخادم على حساب الدولة ، وأمر ولاته بإحصاء جميع الغارمين فقضى عنهم دينهم ، وافتدى أسرى المسلمين وكفل اليتامى ().
وعم الأمن وهمدت الثورات ، وشملت السعادة الناس ، واختفت مظاهر البذخ الفاحش ، ومظاهر الفقر المدقع ، وصارت هذه البلاد التي تمتد من فرنسا إلى الصين تعيش بالحب والإخلاص والود ().
حال الناس في عهده :
شبع في عهده الجياع ، وكسى الفقراء ، واستجاب للمستضعفين ، وكان أباً لليتامى ، وعائلاً للأيامى ، وملاذاً للضائعين ، كان الأغنياء يخرجون بزكاة أموالهم فلا يجدون فقيراً يأخذها ، ويبسط يده إليها … إن عدله رحمه الله لم يكف الناس حاجاتهم فحسب بل وملأهم شعوراً بالكرامة والقناعة ().
لكن بعد عامين وسته أشهر مرض مرضا شديدا ويقال أن من عاداه وكرهه سقاه سما وراح يودع أبناءه  بقوله : يا بني إن أباكم خُيِّر بين أمرين ، أن تستغنوا ويدخل النار أو تفتقروا ويدخل الجنة ، فاختار الجنة وآثر أن يترككم لله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين
وتوفي رحمه الله سنة 720م وعمره 38سنة لكنه ما زال حيا بيننا
من أقواله :
قال : أكثر من ذكر الموت ، فإن كنت في ضيق من العيش وسّعه عليك ، وإن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك . 2- وقال : أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم 4- وقال لعمر بن حفص : إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير
آخر خطبة له رحمه الله :
كانت آخر خطبة خطبها : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثاً ، ولم تتركوا سدىً وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع فانياً بباقٍ ، ونافداً بما لا نفاد له ، وقليلاً بكثير ، وخوفاً بأمان ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين ، كذلك ترد إلى خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد ، قد فارق الأحباب ، وواجه التراب والحساب ، فهو مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير لما قدم ، فاتقوا الله قبل القضاء ، راقبوه قبل نزول الموت بكم ، أما إني أقول هذا … ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى
بعض العبر أولا :الشعور بمراقبة الله وبأنه متيقن تمام اليقين أنه سيحاسب بين يدي الرحمان دفعه للعدل بين الناس
 التربية الاسلامية التي تشبع بها منذ الصغر حفظه للقرآن الكريم وتلقيه العلم عن العالم الزاهد صالح بن كيسان
  ايمانه العميق بأن العدل أساس العمران كما قال ابن خلدون رحمه الله
اعتماد مبدأ من أين لك هذا نشر الطمأنينة بين الناس
هذا المستوى الرفيع للمسلم الذي لا يترك الاسلام داخل المسجد أو في منزله بل يترجمه سلوكا فلا يكون إلا رحمة للعالمين عنصر بناء في أي موقع كان فعلينا أن نغرس في نفوس أبنائنا هذا السلوك القويم من خلال تدعيم تدريس التربية الاسلامية في مدارسنا ومعاهدنا لننشئ جيلا جديدا متشبعا بالقيم الاسلامية فيكون عنصر بناء لا هدم وعنصر رحمة لا نقمة فيحافظ على مكتسبات تونس ويطورها وينشر السعادة والطمأنينة بين أبناء شعبها

الناصر عزيز